يحفظ التاريخ لنا عن شخصيتين ظهرتا في الدولة الأموية ثم الدولة العباسية اشتهرتا في التاريخ بالقوة والشدة وسفك الدماء وكان لهما الأثر البالغ في تشييد كلتا الدولتين أولهما الحجاج الثقفي، وثانيهما أبو مسلم الخراساني (100 ـ 137هـ/718 ـ 755م).
بعد سقوط الدولة الاموية وظهور الدولة العباسية طارد القائد العسكري للثورة العباسية أبومسلم الخرساني جميع بني امية وكان يفتك فيهم قتلا دون رحمة ، حتى قتل حوالي 600 الف نفس من اعداء وخصوم الدولة العباسية وخاصة من بني امية ، حتى هربوا الى الاندلس وبنوا حضارة اسلامية عربية هنالك
أبو مسلم الخرساني والخليفة العباسي الاول عبدالله السفاح
كان أبو العباس السفاح يحترم أبا مسلم الخرساني جدًا ولا يقطع أمرًا من دونه خاصة أنه يرى في أبي مسلم الركن الذي أقام الدولة العباسية فلما تولى السفاح الخلافة العباسية كأول خليفة عباسي ظل أبو مسلم واليًا على خراسان وزادت قوته ونفوذه.
فقد قام سلطان ونفوذ السفاح على أكتاف ثلاثة رجال:
1- أبو مسلم الخراساني بالمشرق. 2- أبو جعفر المنصور بالجزيرة وأرمينية والعراق. 3- عبد الله بن علي بالشام ومصر، وكان بين الثلاثة شر وحقد وضغائن وفتنة، والتي ما لبثت أن طفت على السطح وظهرت بقوة بعد وفاة السفاح.
أبو مسلم الخرساني والخليفة العباسي الثاني أبوجعفر المنصور
بلغت قوة أبي مسلم الخراساني الحد الذي جعله يشعر أنه لولاه ما كانت الدعوة العباسية قامت، ولولا جهوده وذكائه لم يكن لهم دولة، وجعلته يشعر أنه قرين الخليفة بل هو أولى منه بالأمر، وكان أبو مسلم غير معروف النسب فادعى انتسابه إلى سليط بن عبد الله بن عباس كخطوة أولى لطلبه الخلافة ثم خطب عمة المنصور آمنة بنت علي.
وكان أول الشر بين أبي مسلم والمنصور في حياة السفاح عندما كتب أبو مسلم للسفاح يطلب منه الإذن بإمرة الحج في 136هـ ، ولما علم أبو جعفر المنصور ذلك طلب الإذن من أخيه السفاح إمرة الحج فأذن لكلاهما فلما علم أبو مسلم قال "ألم يجد المنصور عاماً غير هذا يحج فيه" وحقدها عليه، وفي موسم الحج تقدم أبو مسلم في الطريق على المنصور، وكان أبو مسلم قد وزع أموالاً كثيرة، فكان الصيت له في الحج، فحقد المنصور عليه جدًا وأثناء السير جاءت الأخبار بموت السفاح وتوليه المنصور فلم يكتب أبو مسلم يهنيه بالخلافة فعرف المنصور أنه ينوي الخلاف.
إن حقد أبي جعفر المنصور على أبي مسلم الخرساني لم يمنعه بعد أن تولى الخلافة من الاستعانة به في القضاء على عمه عبد الله بن علي الذي خرج عن طاعته، وبايع لنفسه بالخلافة في مدينة حرّان بالجزيرة.
فقد رأى المنصور أن يضرب عمه عبد الله بن علي بأبي مسلم الخراساني حتى يقضي أحدهم على الآخر ثم يتفرغ لمن بقي منهما بعد أن تكون قوته قد أنهكت، وبالفعل نجحت الفكرة الذكية فقضى أبو مسلم على عبد الله بن علي، وكانت شرارة الخلاف العلني عندما أرسل المنصور رجلاً من عنده يحصي الغنائم المأخوذة من جيش عبد الله بن علي فغضب أبو مسلم، وقال : "أأكون أمينًا على الدماء ولا أكون أمينًا على الأموال"، ثم كتب المنصور لأبي مسلم كتابًا بتوليه علىالشام ومصر ذلك ليصرفه عن خراسان قاعدته التي بها أنصاره، فلما علم أبو مسلم قال: "يوليني الشام ومصر، وخراسان لي".
وقرر أبو مسلم الخرساني العصيان وتوجه إلى خراسان، ودارت بينه وبين المنصور رسائل ومكاتبات لم تفد معه حتى استطاع المنصور أن يعمل الحيلة عليه، فأرسل إلى خليفة أبي مسلم في خراسان أن يعطيه ولاية خراسان طوال حياته، ثم أرسل إلى أبي مسلم رسالة تهديد قال له فيها : "إنه برئ من العباس إذا لم تأتني ولو كنت في آخر بلاد الدنيا لتجشمت الصعاب حتى آتيك ولو كنت في النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت دونك"، وزلزلت هذه الكلمات الطاغية الجبار أبو مسلم وتحير في أمره ماذا يفعل ؟! وفي هذا الوقت وصله كتاب من خليفته على خراسان والذي قد استماله المنصور يقول له فيه: "إننا لم نخرج إلا طاعة لله وأهل بيت رسول الله ولم تخرج لمخالفة خلفاءنا فأطع الخليفة فيما أمرك به"، فازداد أبو مسلم همًا وغمًا وتحير أكثر في أمره، ثم أجمع على الذهاب إلى المنصور بالمدائن.
مقتل أبي مسلم الخرساني
عندما علم أبو جعفر المنصور بأن أبا مسلم قادم عليه أمر وجوه الناس وبني هاشم أن يستقبلوه في الطريق ويبالغوا في الاحتفال به حتى يطمئن ويذهب نية الغدر من قلبه، ثم أمر أربعة من الحراس أن يقفوا وراء الستائر وإذا سمعوه يصفق بيديه يخرجوا فيقتلوه.
فلما دخل أبو مسلم على المنصور انبسط له المنصور في الحديث حتى ظن أبو مسلم أنه ناج، ثم بدأ المنصور يعاتبه في أشياء صدرت عنه مثل تقدُّمه في طريق الحج وعدم تهنئته بالخلافة وخطبته لعمته آمنة بنت علي وادعاءه أنه ولد سليط بن عبد الله بن عباس ومخالفته لأمره وعصيانه عليه بخراسان، وأبو مسلم يجيب على هذه المعاتبات بصورة جيدة حتى وصل المنصور لسؤاله عن سبب قتله لسليمان بن كثير وإبراهيم بن ميمون، وغيرهم فقال أبو مسلم: "لأنهم عصوني وخالفوا أمري" وعندها استشاط غضبًا، وقال له: "أنت تقتل إذا عصيت وأنا لا أقتلك وقد عصيتني ؟"، فقال له أبو مسلم: "استبقني لأعدائك يا أمير المؤمنين"، فقال المنصور: "وأي عدو لي أعدى منك"، ثم صفق بيديه فخرج الحراس وقتلوا أبو مسلم وقطعوه إربًا، ثم وقف المنصور عليه وهو قتيل فقال له: "رحمك الله يا أبا مسلم بايعتنا فبايعناك وعاهدتنا فعاهدناك ووفيت لنا فوفينا لك، وإنا بايعناك على ألا يخرج علينا أحد في هذه الأيام إلا قتلناه، فخرجت علينا فقتلناك وحكمنا عليك حكمك على نفسك لنا".
اضطربت خراسان لمقتل أبي مسلم، وظهرت من جرّاء ذلك فرق دينية غريبة عن الإسلام كان أصحابها يظهرون الإسلام، ويبطنون ديانتهم، فلما قُتل أبو مسلم أعلنوا الثورة، واتخذوا من مأساته وسيلة لإحياء ديانتهم القديمة وعدّوه رمزاً لحركاتهم الدينية.
هكذا انتهت حياة هذا القائد العسكري والداهية الذي أقام أساس الدولة العباسية وسفك دماء قرابة ستمائة ألف نفس من أجلها والذي عرف باسم أمير آل محمد، والذي رأى لنفسه الفضل الأكبر لتشييد الدولة وله مكانة تفوق مكانة الخلفاء فاستحقرهم واستهزئ بهم، فنهايته مثل نهاية كثير من القادة الذين قاموا بمثل ما قام به، ولكن الله عز وجل يسلط الظالمين بعضهم على بعض فأخذه الله بما كان منه من سفك الدماء وكانت نهايته على يد من سفك الدماء من أجل ملكهم.