عن أحمد بن خالد قال : " بلغنا أن يحيى بن يحيى الليثي كان عند مالك بن أنس رحمه الله ، فمرّ على باب مالك الفيل ، فخرج كل من كان في مجلسه لرؤية الفيل سوى يحيى بن يحيى فلم يقم ، فأعجب به مالك وسأله : من أنت ؟ وأين بلدك ؟ ثم لم يزل بعد مكرما له " . وعن يحيى بن يحيى قال : " أخذت بركاب الليث ، فأراد غلامه أن يمنعني ، فقال الليث : دعه . ثم قال لي : خدَمَك العلم . قال : فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك " .
قال إسحاق الشهيدي : " كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر ، ثم يستند إلى أصل منارة مسجده ، فيقف بين يديه علي بن المديني و أحمد بن حنبل و يحيى بن معين وغيرهم ، يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب ، لا يقول لواحد منهم : اجلس ، ولا يجلسون هيبة له وإعظاما " .
عن أبي إسحاق قال : " لما مات القاضي وجلس بنوه للتعزيه ، إذ دخل علينا رجلان في لباس سواد ، وأخذا يولولان ويقولان : وإسلاماه!! . فسئلا عن حالهما فقالا : إنا وردنا من " أغمات " من المغرب ، لنا سنة ونصف في الطريق في الرحلة إلى هذا الإمام لنسمع منه ، فوافق ورودنا وفاته " .
عن أبي طاهر قال : " سمعت أبابكر بن المقرئ يقول : طفت الشرق والغرب أربع مرات – يعني في الرحلة للحديث - . وروى رجلان عن ابن المقرئ قال : مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة في الحديث مسافة سبعين مرحلة ، ولو عرضت على خباز برغيف لم يقبلها . وقال أيضا : دخلت بيت المقدس عشر مرات ، وحججت أربع حجات ، وأقمت بمكة خمسة وعشرين شهرا ، كل ذلك في العلم " .
عن إسماعيل بن عياش قال : " كتبت لي أم الدرداء في لوحي : اطلبوا العلم صغارا ، تعملوا به كبارا ؛ فإن لكل حاصد ما زرع " .
قال ابن جماعة الكناني : " ليعلم طالب العلم أن ذلّه لشيخه عزّ ، وأن خضوعه له فخر ، وتواضعه له رفعة ، وعلى طالب العلم أن ينظر إلى شيخه بعين الإجلال ؛ فإن ذلك أقرب إلى انتفاعه به ، وكان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدّق بشيء وقال : اللهم استر عيب شيخي عني ، ولا تذهب بركة علمه مني " .
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: " كان يقال : إذا لقي الرجلُ الرجلَ فوقه في العلم فهو يوم غنيمته ، وإذا لقي من هو مثله دراسه وتعلم منه ، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلّمه " .
قال أبو حاتم الرازي : " بقيت ثمانية أشهر بالبصرة ، وكان في نفسي أن أقيم سنة ، فانقطعت نفقتي ، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت ، وبقيتُ بلا نفقة ، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة وطلب الحديث ، وأظل كذلك إلى المساء ، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتي ، فجعلت أشرب الماء من الجوع ، ثم أصبحت فغدا عليّ رفيقي ، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد ، وانصرفت جائعا ، فلما كان من الغد غدا علي فقال : مر بنا إلى المشايخ ، فقلت له : أنا ضعيف لا يمكنني ، قال : ما ضعفك ؟ ، قلت : لا أكتمك أمري ، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا ، فقال : قد بقي معي دينارا فنصفه لك ، ونجعل النصف الآخر في الكراء ، فخرجنا من البصرة ، وأخذت منه النصف دينار "